إعدام كل ساعتين.. تصاعد تنفيذ أحكام الموت في إيران وسط تحذيرات حقوقية

إعدام كل ساعتين.. تصاعد تنفيذ أحكام الموت في إيران وسط تحذيرات حقوقية
الإعدام في إيران

شهدت إيران خلال شهر واحد فقط، واحدة من أكثر فترات تنفيذ أحكام الإعدام كثافة في تاريخها الحديث، في مشهد يعكس تصعيداً غير مسبوق في استخدام عقوبة الموت أداة قضائية وأمنية، فقد أقدمت السلطة القضائية الإيرانية على تنفيذ ما لا يقل عن 338 حكم إعدام في مختلف سجون البلاد خلال الفترة الممتدة من 21 نوفمبر إلى 21 ديسمبر، بمعدل يقارب 12 عملية إعدام يومياً، أي حالة واحدة تقريباً كل ساعتين.

هذه الحصيلة الثقيلة التي وثقها موقع هرانا الحقوقي في تقريره الشهري الصادر يوم 22 ديسمبر تستند إلى 296 تقريراً ميدانياً رصدت تنفيذ أحكام الإعدام في محافظات وسجون متعددة، وبحسب التقرير ذاته، لم تقتصر هذه الفترة على تنفيذ الأحكام فحسب، بل شهدت أيضاً إصدار 21 حكماً جديداً بالإعدام، إضافة إلى تأييد 6 أحكام أخرى من قبل الجهات القضائية المختصة، ما يعكس مساراً تصاعدياً مستمراً في اللجوء إلى هذه العقوبة.

ضمن الأسماء التي وردت في التقرير برز تنفيذ حكم الإعدام بحق عقيل كشاورز بتهمة التجسس، وهي تهمة غالباً ما توجه في قضايا ذات طابع أمني وسياسي، كما أشار التقرير إلى إعدام 8 سجناء سياسيين آخرين، هم: أكبر دانشور كار، ومحمد تقوي، وبابك علي بور، وبويا قبادي، ووحيد بني عامريان، وأبو الحسن منتظر، وكريم خجسته، ورامين زله، وتثير هذه الحالات قلقاً مضاعفاً لدى المنظمات الحقوقية؛ نظراً لما يحيط بالقضايا السياسية في إيران من غياب للشفافية وقيود على حق الدفاع والمحاكمة العادلة.

الإعدام في العلن

ولم تقتصر عمليات الإعدام على داخل السجون، إذ نفذ حكمان على الأقل في الساحات العامة وأمام أنظار المواطنين، ويعد هذا الأسلوب من أكثر الممارسات إثارة للجدل، لما يحمله من آثار نفسية واجتماعية عميقة، ليس فقط في عائلات الضحايا، بل في المجتمع بأسره، ويرى مراقبون أن الإعدامات العلنية تستخدم رسالة ردع وتخويف، في لحظات تشهد فيها البلاد توترات داخلية واحتجاجات متكررة.

في هذا السياق، كانت الجمعية العلمية للأطباء النفسيين في إيران قد وجهت رسالة رسمية بتاريخ 26 أغسطس إلى رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إيجئي، حذرت فيها من التداعيات الخطيرة للإعدامات العلنية على الصحة النفسية للمجتمع، وطالبت الجمعية بوقف فوري لهذه الممارسة، مؤكدة أن مشاهد العنف الممنهج في الفضاء العام تترك آثاراً طويلة الأمد، خصوصاً في الأطفال والشباب.

وتظهر مراجعة بيانات هرانا أن وتيرة تنفيذ أحكام الإعدام شهدت قفزة هائلة خلال السنوات الأخيرة، ففي شهري نوفمبر وديسمبر 2019، لم يتجاوز عدد الإعدامات المسجلة 30 حالة، في حين ارتفع العدد في الفترة نفسها من عام 2025 إلى 338 حالة، أي بزيادة تفوق 11 ضعفاً، ويشير هذا الارتفاع الحاد إلى تحول واضح في سياسة السلطة القضائية، حيث باتت عقوبة الإعدام تستخدم بوتيرة عليا وفي نطاق أوسع.

ورغم فداحة هذه الأرقام، يؤكد حقوقيون أن ما يتم توثيقه لا يعكس الحجم الكامل للواقع، فالسلطة القضائية الإيرانية معروفة بتكتمها الشديد، وتنفيذ العديد من أحكام الإعدام يتم سراً داخل السجون دون إعلان رسمي، وفي كثير من الحالات، لا يتم الكشف عن بعض الإعدامات إلا بعد مرور أشهر، عبر شهادات عائلات الضحايا أو تسريبات من داخل المؤسسات، ما يجعل الأرقام المعلنة تمثل حداً أدنى فقط.

إدانات حقوقية وأممية

الارتفاع المتواصل في إصدار وتنفيذ أحكام الإعدام أثار موجة واسعة من ردود الفعل الدولية خلال الأشهر الماضية، فقد أعربت منظمات حقوقية وحكومات غربية عن قلقها العميق إزاء ما وصفته بالتصعيد الممنهج في استخدام عقوبة الموت، خاصة في القضايا السياسية وقضايا الاحتجاجات، كما ترافقت هذه الإدانات مع احتجاجات نظمها إيرانيون في الداخل والخارج، مطالبين بوقف الإعدامات واحترام حقوق الإنسان.

على الصعيد الدولي، صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر على قرارها السنوي بشأن وضع حقوق الإنسان في إيران بأغلبية 78 صوتاً، وكان هذا القرار قد سبقه، في 19 نوفمبر، اعتماد اللجنة الثالثة للجمعية العامة قراراً آخر بأغلبية 79 صوتاً، أدان الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان في البلاد، مع تركيز خاص هذا العام على ملف الإعدامات، إضافة إلى حقوق النساء وقمع المحتجين وممارسات القمع العابر للحدود.

وفي موقف لافت، أعلنت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في إيران، ماي ساتو، خلال اجتماع اللجنة الثالثة للجمعية العامة بتاريخ 30 أكتوبر، أن السلطات الإيرانية تسير عبر تنفيذ الإعدامات الجماعية في مسار يمكن اعتباره جريمة ضد الإنسانية، ويعكس هذا التوصيف مستوى القلق داخل أروقة الأمم المتحدة من حجم واتساع هذه الممارسات.

حصيلة سنوية ثقيلة

وكان موقع هرانا قد أشار في تقرير سابق صدر بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة عقوبة الإعدام إلى أنه خلال الفترة الممتدة من 10 أكتوبر 2024 إلى 8 أكتوبر 2025، تم إعدام ما لا يقل عن 1537 شخصاً في إيران، وتؤكد هذه الحصيلة أن عاماً واحداً فقط شهد عدداً من الإعدامات يفوق ما سجلته البلاد في سنوات سابقة كاملة، ما يعزز المخاوف من ترسيخ هذه السياسة بوصفها خياراً دائماً.

تعد إيران من أكثر دول العالم تنفيذاً لأحكام الإعدام، حيث تستند السلطة القضائية إلى منظومة قوانين تتيح تطبيق عقوبة الموت في نطاق واسع من الجرائم، تشمل قضايا المخدرات والقتل والتهم الأمنية والسياسية، وعلى الرغم من المطالبات الدولية المتكررة بتقليص استخدام هذه العقوبة أو وقفها، لا تزال الإعدامات تشكل أداة مركزية في إدارة الدولة للأزمات الداخلية.

ويرى مراقبون أن تصاعد وتيرة الإعدامات خلال الفترة الأخيرة يرتبط بالسعي إلى فرض السيطرة وبث الخوف في ظل تحديات سياسية واقتصادية متزايدة، في حين يحذر حقوقيون من أن استمرار هذا النهج سيعمق عزلة إيران الدولية ويزيد من معاناة المجتمع الإيراني على المدى الطويل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية